تكثر هواجس اللبنانيين، وهمومهم، وأسئلتهم... فالتحديات التي يواجهونها كبيرة جداً وعديدة واستثنائية.
الخوف من الحاضر تسلّل إلى قلوب اللبنانيين، والقلق على المستقبل هو الهاجس المشترك.
وبين الحاضر والمستقبل، ينشغل الناس بتأمين لقمة عيشهم ولو على حساب صحتهم. لكن الحقيقة أنه من دون وقاية صحية، فإن لقمة العيش لا تكون مضمونة.
أنا أتفهّم جيداً هواجس الناس وقلقهم وأسئلتهم، لكن الحرص على حياة آبائنا وأهلنا وأولادنا، يحتل أولوية على ما عداها.
البشرية كلّها تواجه اليوم خطراً كبيراً من هذا الوباء الذي يجتاح العالم ويخطف حياة الناس ويعطّل اقتصاديات أكبر الدول.
نحن في لبنان، كنا نسير على الطريق الصحيح في عملية احتواء هذا الوباء، وتجاوزنا الموجة الأولى بنجاح، واحتل لبنان المرتبة 15 من بين الدول التي نجحت في مواجهة هذا الوباء لأن الناس التزموا بنسبة عالية آنذاك بالإجراءات.
لكن الانفجار في مرفأ بيروت أطاح بهذه الإجراءات، وتسبّب بفقدان السيطرة على انتشار الوباء، فضلاً عن أن عدم التزام قسم من اللبنانيين بقواعد الحماية الذاتية من الوباء، عبر وضع الكمامات والتعقيم والتباعد الاجتماعي، ساهم إلى حدّ بعيد بانفلات الوباء وانتقاله بسرعة ليتفشّى بين اللبنانيين.
ربّما حتى اليوم هناك من يعتقد أن كورونا ليس وباء قاتلاً، وهذا ما يساعد في تعطيل الإجراءات التي تتّخذها الدولة لحماية اللبنانيين.
على مدى الأسابيع الماضية، اعتمدنا خططاً عديدة لاحتواء الوباء، عبر الإقفال الموضعي للمناطق التي ترتفع فيها الإصابات
لكن هذه الخطط كانت تصطدم بعدم التزام قسم من الناس والالتفاف على الإجراءات، وكأن الأمر مجرّد مخالفة.
الواقع غير ذلك تماماً. نحن اليوم بلغنا الخط الأحمر في عدد الإصابات، وبلغنا مرحلة الخطر الشديد في ظل عدم قدرة المستشفيات، الحكومية والخاصة، على استقبال المصابين بحالات حرجة، لأن أسرّة المستشفيات أصبحت مليئة بحالات حرجة، ونخشى أن نصل إلى مرحلة يموت فيها الناس في الشارع في ظل عدم وجود أماكن في المستشفيات لمعالجة المصابين، أو تكون هناك مفاضلة بين شخص وآخر.
كل البلد أصبح في وضع حرج. لا يمكننا الاستمرار بتطبيق خطة الإقفال الموضعي. هذا الأمر لم يحقّق الهدف المطلوب.
لقد كنت قد حذّرت في شهر نيسان الماضي، أي منذ سبعة أشهر، من أن عدم التزام الناس بالإجراءات سيؤدي إلى ارتفاع كبير جداً بعدد الإصابات في الموجة الثانية.
أعرف أن هناك انقساماً في الرأي بين مؤيّد للإقفال التام وبين معارض له. ولكل رأي حجته. هذا النقاش يحصل في معظم دول العالم، وهناك انقسام في العديد من الدول الأوروبية حول هذا الموضوع.
أعلم جيداً حجم الأضرار الاقتصادية بسبب الإقفال، وأسمع بوضوح أصوات الاقتصاديين والتجار وهم يصرخون ضد قرار الإقفال وتداعياته على أعمالهم.
كما أسمع بوضوح أصوات الأطباء والمستشفيات، وكل القطاع الصحي، وهم يدقون ناقوس الخطر ويطالبون بإقفال البلد لمدة شهر كامل، كي يتمكّنوا من تخفيف سرعة الانهيار الصحي.
للأسف، لو أن الناس التزموا بإجراءات الوقاية منذ أشهر، كنّا وفّرنا على البلد هذا القرار الصعب في ظل ما يعيشه البلد من صعوبات.
الآن وصلنا إلى هنا، إلى هذه المرحلة الحساسة جداً من انتشار الوباء، ولم يعد لدينا خيارات أخرى نلجأ إليها. ولذلك اتخذنا اليوم قرار الإقفال التام اعتباراً من يوم السبت ١٤ تشرين الثاني ولغاية صباح يوم الأثنين ٣٠ تشرين الثاني الحالي.
إذا التزم اللبنانيون بالإجراءات، ونجحنا باحتواء الوباء عبر تخفيض عدد الإصابات، فإننا نكون قد أنقذنا الناس، وربما نكون قد أنقذنا الاقتصاد أيضاً، لأننا نكون قد استبقنا موسم الأعياد بفترة جيدة.
أما إذا لم يلتزم اللبنانيون، واستمر مؤشر الإصابات مرتفعاً، فإننا قد نضطر لتمديد الإقفال فترة إضافية.
طلبنا من وزارة الصحة رفع الجهوزية في القطاع الصحي في هذه الفترة.
كما طلبنا من الأجهزة العسكرية والأمنية التشدّد في تطبيق قرار الإقفال في كل المناطق من دون استثناء. يجب أن يكون الإقفال تاماً وشاملاً لجميع المناطق اللبنانية.
طبعاً ستكون هناك استثناءات في قرار الإقفال للقطاعات الصحية والحيوية، وسيعلن عنها بعد قليل. لكن هناك قرار حازم بمواجهة تفشّي هذا الوباء وإعادته إلى السيطرة، حتى يتسنّى للقطاع الصحي التقاط أنفاسه ومنع انهيار الواقع الصحي في البلد بمواجهة وباء كورونا.
أناشد اللبنانيين، أن يلتزموا بالإجراءات الصحية، والتدابير التي اتخذناها، لحماية أنفسهم وعائلاتهم.
رهاننا على وعي اللبنانيين للخطر، وأن يكونوا شركاء في هذه المواجهة الصعبة، وأنا أعلم جيداً أن اللبنانيين تقوى عزيمتهم في التحديات وأنهم قادرون على الانتصار في هذه المواجهة.
وفقنا الله لخدمة لبنان وحماية اللبنانيين
عشتم وعاش لبنان