عاد الحديث عن الإقفال العام ولو اختلفت المدة المقررة سواء كانت أسبوعين أو 4 أسابيع. الأكيد أن الإقفال العام شرّ لا مفرّ منه وعاجلاً أم آجلاً سنكون أمام إعلانه رسمياً. وعلمت “النهار” أن “قرار الإقفال مؤجل في الوقت الحاضر بالرغم من وعد الرئيس في دراسة القرار. فلا رئيس الجمهورية ولا رئيس الحكومة متحمسان لاتخاذ هكذا قرار. في المقابل سيتم تعليق قرار إقفال المدن والقرى الصغيرة، والإبقاء فقط على المدن الكبيرة التي تشهد تجمعات كبيرة”.
صحيح أن قرار الإقفال علميّ إلا أن الموضوع سياسي وتطبيقه يحتاج إلى سلطة تنفيذية على الأرض. فعندما كانت الحكومة غير مستقيلة شهدنا عدم تنسيق بين عناصرها، فكيف والحال اليوم؟
هذا الجدل القائم في خيار الإقفال من عدمه يعود لأسباب كثيرة وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية التي أرهقت المجتمع كما الدولة، أضف إليها التجارب غير المشجعة لقرار الإقفال الجزئي والعام في المراحل السابقة والاستثناءات التي أدت إلى فقدان الثقة بالدولة وهيبتها، وختامها عدم مسؤولية المواطن وعدم التزامه بأدنى إجراءات الوقاية. تحاول لجنة الكورونا منذ أيام دراسة كل الخيارات، فالمسألة ليست فقط في الإقفال، التحدي الأكبر يكمن في مرحلة ما بعد الإقفال وكيفية الموازاة بين الاقتصاد والصحة. الدول الأوروبية تحصد ثمن فتح البلد دون أدنى إجراءات، والأعداد التي تسجلها أكبر بكثير من الموجة الأولى وأكثر فتكاً، فهل يتحمل لبنان المنهك بقطاعاته التعامل مع هكذا كارثة صحية؟
شهدت بعبدا اليوم اجتماعات تعكس الجدل الحاصل بين الجهات المختلفة لقرار الإقفال، وبينما أعرب رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي شارل عربيد خلال اجتماعه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون “أن الحل ليس في الإقفال التام، بل في تطبيق الإجراءات التي اتخذتها الحكومة ولجنة مكافحة “كورونا”، لافتاً إلى أن القرارات غير المدروسة تعود بالضرر على القطاع الاقتصادي، وأن المناسب هو التشارك في الإجراءات التي تنوي الحكومة اتخاذها مع القطاعات المعنية.
جاء تصريح وزير الصحة ليعكس هذا التباين الحاصل في البلد، حيث أعلن أن “ما وصلنا إليه يفوق للأسف قدرة النظام الصحي اللبناني على استيعابه، إن قرار الإقفال العام جريء ويتطلب تعاطياً جدياً من كل الأطراف. إن رأي اللجنة العلمية في وزارة الصحة يتفق مع لجنة كورونا الوزارية التي أوصت بالإقفال العام، ولكننا ّنعلم ان هذا الامر مكلف جداً، ولو أنه يؤمّن الحاجة الضرورية لحيّز من الأمان الصحي الواجب حصوله خلال هذه الفترة. ما نريد قوله هو أن المطلوب ليس المس بهيبة الدولة والأجهزة الأمنية، ويجب بالتالي بحث إمكانية نجاح الإقفال العام قبل اتخاذ القرار بذلك.
وبين الاقتصاد والصحة يتأرجح البلد بين وباء منتشر خرج عن السيطرة وغلاء فاحش لا يرحم، ويجد المعنيون أنفسهم في دوامة مغلقة يصعب اتخاذ القرار الأنسب. وما نشهده في الدول الأوروبية مع الموجة الثانية تجعلنا نعي أن أي خطوة ناقصة قد تجعلنا نعيش السيناريو نفسه “على اللبناني”. فالمستشفيات الحكومية والجامعية منهكة، والمستشفيات الخاصة لم تتجاوب بالمستوى المطلوب لتأمين عدد أسرّة يقينا شر هذا الوباء.
هذا التباين في قراءة آثار الوباء على الاقتصاد والمجتمع والصحة يؤدي إلى مزيد من التخبط والضياع إلى حين إصدار القرار النهائي. وزيارة وزير الصحة لرئيس الجمهورية اليوم تحمل دلالات كثيرة لأعلى سلطة في البلد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. فهل يكون الحل في الإقفال لأربع أسابيع كما يتردد لتخفيف العبء على القطاع الصحي والتخفيف من انتشار العدوى؟ والسؤال الأهم ماذا بعد الإقفال؟
برأي عضو اللجنة الوطنية للأمراض المعدية، الدكتور عبد الرحمن البزري لـ”النهار” أن “أي قرار في الإقفال يجب أن يأتي بالنتائج المرجوة، ويجب أن يكون مرافقاً بشروط عدة والشرط الأول والأساسي أن يكون قابلاً للتنفيذ. فالتجارب السابقة أظهرت تبايناً في الإلتزام وإقفال بعضها وعصيان بعضها الآخر وتمردها على الإقفال.
وبالرغم من أن الإقفال يخفف من انتقال الفيروس إلا أن له تأثيرات أخرى على الحياة، لذلك يجب أن يرتبط الإقفال بحزمة اجتماعية مثل المساعدات وغيرها والتي يصعب على الدولة تأمينها في الوقت الحالي.
مشيراً إلى أن “أي إقفال ليكون ناجحاً ومفيداً يجب أن يكون لـ 4 أسابيع، ولكن لا أعلم مدى قدرة الناس على تحمل هذه المدة في ظل الأزمة المعيشية والاقتصادية التي يرزحون تحتها.
أما في تفصيل القانون، يجب أن نعرف أن خطوة الإقفال وحدها ليست كافية، بل بجب أن ترافقها خطوات أخرى. لذلك في حال الإقفال لمدة أسبوعين أو 4 أسابيع، يجب الاستفادة من هذه الفرصة لتعزيز القطاع الاستشفائي وتأمين نقص المستلزمات وسد الثغرات. فمنذ 8 أشهر لم يتخذ خطوات جدية لتجهيز المستشفيات كما يجب، صحيح أن وزير الصحة عمل جاهداً مع المستشفيات الحكومية إلا أن الأخيرة ما زالت بحاجة إلى دعم كبير، في حين أن المستشفيات الخاصة لم تجد نفسها معنية في خوض معركتها يداً بيد مع المستشفيات الحكومية، وما زالت مشاركة بعضها خجولة.
مشدداً على أن “الأهم من كل ذلك، ماذا بعد قرار الإقفال؟ هل بإمكاننا ضبط إيقاع البلد بشكل تدريجي لعدم تكرار هذا السيناريو في الإقفال والفتح؟ وعليه، من الناحية الوبائية نحن مع الإقفال لأنه يحدّ من انتشار العدوى، وليكون فعالاً يجب أن يكون الإقفال 4 أسابيع، ولكن في المقابل في حال فتح البلد بعد الإقفال بسرعة، لا شيء يمنع من أن يعاود الفيروس الارتداد (rebound) ، وبالتالي يؤدي إلى زيادة الحالات. لذلك يجب أن يكون الإقفال مقروناً بخطوات يتشارك فيها كل .الجهات المعنية والقطاعات والناس للتعامل مع هذا الملف بجدية
وعن التباين والاختلاف حول موضوع الإقفال، يؤكد البزري أنه “علمياً، لا اختلاف على مسألة الإقفال، الاختلاف هو حول الإقفال المتكرر لأن ذلك يؤثر على الناس وعلى مصالحهم وحياتهم. فالفيروس يؤثر أيضاً على الحياة الاجتماعية والثقافية ويؤثر على التطور الفكري والنفسي والاجتماعي للطلاب نتيجة إقفال المدارس. لذلك وبائياً لا أحد ضد الإقفال لكن الخوف من فشل الإقفال إذ شهدنا في التجارب السابقة عدم التزام كل المناطق بالإغلاق.
خاتماً بالقول: “الحلول دائماً موجودة ولكن يبقى التحدي الأكبر في إمكانية تطبيق النظرية التي نتحدث عنها أو القرار الذي نناشد فيه بحذافيره. الأكيد حتى الساعة أنه سيتم البحث جدياً في مسألة عدم إغلاق المدن الصغيرة والقرى لأن العدوى ليست بكبيرة، والتركيز أكثر على المدن الكبيرة حيث انتشار الفيروس أكبر وأوسع. وسنناقش الإثنين في اللجنة هذه النقطة وإصدار قرار بشأنها”.