ستة أشهر من السهر والعمل الدؤوب.. يُضاف إليها أشهرٌ طويلة من اليقظة المستمرة لحراسة الوطن والعناية به تحت عنوان تصريف الأعمال.
نعم ستة أشهر لم يكن فيها عُطَلٌ ولا نقاهةٌ ولا اعتكافٌ ولا "زعلٌ" ولا أسفارٌ على حساب الخزينة، ولا تبذيرٌ مالٍ على الحسناوات والغانيات والعارضات.. ولم يكن فيها يخوتٌ ولا فنادق سبعة نجوم ولا علبٌ ليلية ولا تسكعٌ في "باريس" و"نيس" و"كان".
ستة أشهرٍ من اللجان والدراسات ولقاءات الخبراء والاختصاصيين من الحريصين والوطنيين.
ستة أشهر من البحث في سراديب الفساد وصناديق الهدر وجوارير القرارات المُحَوَّلَة منذ ثلاثين سنة إلى مخللاتٍ وكبيس ولفائفَ مناقيش...
ستة أشهرٍ كانت حافلة بالقرارات الجريئة التي، وإن حاربوه، لم يكترث دولتُهُ فيها لما درجت عليه حكومات السمسرات مما يُسَمّى بالتوازنات المصطنعة، والوشوشات والهمز واللمز و"لحوسة" الشفاه والأصابع من ُقبَلِ الشرهين والجشعين والدِيَكَة الصياحين على مزابل الطائفية والبكوية الموروثة.
لقد جمَّد دفع الديون ريثما يتنفس الناس، ولكي يمنع الانهيار. وضبط المعابر ووضع الخطط طويلة الأجل لأول مرة في تاريخ لبنان. ووقف مع المتضررين من الوباء ومع المسحوقين من لعبة الدولار الخبيثة التي لعبوها بقصد أن يعودوا إلى الكراسي الوثيرة على جماجم الفقراء، فدمروا من أجل ذلك المرفأ والعاصمة باستهتارهم اللامحدود على مدى سنين.
أما بعد الستة أشهرٍ وما بعد بعدها، فحدِّث ولا حرج؛
لم يمتطِ طائرةً خاصة هرباً من المسؤولية كما فعل راضِعو لبن العصفور والمولودون وفي أفواههم ملاعق من ذهب، ولم يُدِر ظهرَهُ لِشعبه، ولم يبتعد قيد أُنمُلَةٍ عن هموم الناس..
بقي إلى جانبهم يدافعُ عنهم بصدره العاري إلا من الإيمان بالله وبالوطن وبالأمانة التي رفض أن يتخلى عنها، حتى بعنوان تصريف الأعمال.
لقد بقي يتلقى السهام يومياً من أوباش السياسة ومن خواريفهم وقطعانهم المتفلتة من القيم، وهو صامتٌ صمتَ الحكماء ومُبتسمٌ ابتسامةَ الأب الرؤوف الضنين بأبنائه الضالين.
آهٍ لو يعلم الشعب اللبناني ماذا
تحقق من إنجازات فاقت بأشواط، إنجازات ثلاثين سنة مضت من طحن الحجارة على ظهره.. إنجازاتٌ تحققت في طريقٍ وَعرٍ مليءٍ بالضغوط والحصار والمناكفات والعرقلات والنكد.. إنجازاتٌ تحققت بشق الأنفس رغم كوارث الديون التي ركبوها هم، ورغم الأوبئة والانفجارات المفتعلة والمدبَّرة والعقوبات وتدخلات السفارات.
للأسف شعب الزهايمر والغرائز الطائفية لا يرى، وإن رأى فهو يتنكرُ أو ينسى ويتغاضى...
شعب الزهايمر يتمسك بنعلِ جلاده الزعيم، ويتغاضى عن مُنقِذه من المِقصلة، بل إن هواية البعضِ هي عشقُ الجلّاد الذي يصعقهم بالانهيار والاضمحلال...
إن شعبنا يحتاج إلى البصر وبُعدِ النظرِ وعُمقِ البصيرة، حتى يرى بعين الرُّشد فلا يضلَّ عن سبيل الرشاد.
نعم إن شعبنا يحتاج إلى الموضوعية والإنصاف ليُمَيِّزَ بين رجال الدولة أمثال الرئيس حسان دياب وبين غيره من الصبيةِ اللاهين في أروقة الحكم واللاعبين بمصائر الناس، والمحرضين على الفتنة وقطع الطرقات والاعتداء على المارة.
إن شعب لبنان هو بحاجة لرجال دولة يقولون للسفراء "إلزموا حدودكم واحترِموا أنفسكم ووظيفتكم ولا تتدخلوا في شؤوننا"، وليس إلى صبيانٍ صغارٍ يتعلقون بأذيال السفراء، ويتسولون منهم الرضا والمال، ويحصدون لأنفسهم وللوطن الذلَّ والهوان... ولكي الناس تصدقهم الناس، هم يحتمون ويختبئون في خطاباتهم خلف وعود الأجنبي(عندما قال أمام الصحافيين: تعهَّد ماكرون يدعمنا، بتعرفوا شو يعني تعهد؟).
اللهم اجعل شعبنا من المبصرين، وخلصنا من الحكام الفاسدين، واعطِ لكلٍّ منهم حجمه الحقيقي بين العالمين... آمين
✍️ علي خيرالله شريف