نجلة حمود
لم يكن الشيخ أحمد شعيب الرفاعي شخصاً عادياً في عائلته وبلدته، بل كان صاحب نظرة ورؤية للأمور يقف بالمرصاد لأي مخالفة، يوثق ملفاته ويذهب بها الى القضاء للمتابعة والملاحقة.
كل عكار ضجت بالخلاف بين الشيخ أحمد الرفاعي ورئيس بلدية القرقف يحي الرفاعي. إذ لم تحل أواصر القرابة بين أهالي بلدة القرقف العكارية (غالبيتهم من آل الرفاعي) دون احتدام الخلافات ووصولها الى حد الاعتداء بالضرب والتهديد بالقتل وحرق سيارات مراراً. إذ يتهم عدد من أبناء البلدة رئيس بلديتها منذ عام 2010، يحيى الرفاعي، بهدر المال العام والإثراء غير المشروع وتحويل المشاريع العامة الى استثمارات خاصة، فضلاً عن بيع مشاعات البلدة، وهو الملف الأهم الذي فجّر الخلافات في العام 2012.
شكاوى متكررة سطّرها عدد من أبناء البلدة منذ عام 2012 ضد الرفاعي، متهمين إياه بالتعدي على الأملاك العامة، وتحويل 10 عقارات من ملك جمهوري الى ملك بلدي من دون موافقة مجلس الوزراء وفق القوانين، ومن ثم بيعها الى أهالي البلدات المجاورة (وادي الجاموس، ببنين، طرابلس…) الذين شيّدوا أكثر من 150 منزلاً فوقها.
وفي شكوى مفصلة قُدّمت الى النيابة العامة المالية (الرقم 5072/2018)، طالب المعترضون بإلزام رئيس البلدية بوضع الأموال التي تقاضاها من بيع المشاع في صندوق البلدية تحت إشراف لجنة من الأهالي. كما قُدمت دعوى ضده أمام وزارة الداخلية والبلديات والتفتيش المركزي والهيئة العليا للتأديب (الرقم 850/2019)، تطلب التحقيق معه في أسباب «كسبه المادي بصورة فاحشة»، وخصوصاً أنه كان موظفاً في دائرة الأوقاف الإسلامية في عكار قبل فصله عام 2009 عقب خلافات وتبادل اتهامات بينه وبين رئيس دائرة الأوقاف الإسلامية الشيخ مالك جديدة.
إستمرت الخلافات والدعاوى القضائية من دون ان يتمكن الأهالي من تحصيل حقوقهم.
وفي العام 2019 تأجج الخلاف وجرى إحراق سيارة الشيخ أحمد الرفاعي، الذي أصدر بياناً أكّد فيه “أن كاميرا المراقبة في المنطقة وثّقت الحادثة والتقطت المعتدين”.
وحذّر من “التدخل لوقف الملاحقات أو تضليل التحقيق، لا سيما أن الحادثة ليست الأولى من نوعها، إذ سبق أن أُحرقت سيارتا وليد عبود الرفاعي وخضر التلاوي وكلاهما كانا على خلاف مع رئيس البلدية، وللأسف سجلت الجريمتان ضد مجهول ولم يوقف أحد”.
وطالب الشيخ احمد الرفاعي آنذاك وزيرة الداخلية ريا الحسن بـ”كفّ يد رئيس البلدية وإحالته الى التحقيق في الدعاوى المقدمة ضده والمسجلة لدى قلم الوزارة”، مؤكداً أن “بلدة القرقف تعاني الإرهاب السياسي والمالي والاجتماعي والأمني، حيث تقام دولة ضمن الدولة عبر استخدام رئيس البلدية نفوذه وعلاقاته ومصالحه”.
وبالفعل وتحت الضغط، وجراء المخالفات المستشرية قامت الوزيرة ريا الحسن بكف يد الرفاعي وإحالته الى النيابة العامة المالية، الأمر الذي أقام الدنيا ولم يقعدها. وإستمرت الخلافات حتى يوم الاثنين الفائت عند الاعلان عن إختفاء الشيخ أحمد الرفاعي، ولكن سرعان ما تم أخذ الموضوع في إطار مختلف تماماً خدمة لمشاريع فتنوية مشبوهة كانت تهدف لزرع الفتنة في الشمال، ودفع الشبان للقتال مع الأجهزة الأمنية تارة عبر إتهام الجيش اللبناني بأنه وراء إختفاء الشيخ وتارة أخرى عبر توجيه أصابع الاتهام الى الأمن العام اللبناني واللواء عباس إبراهيم شخصياً، والذي يحفل سجله بعمليات إطلاق سراح المخطوفين فاذا ببعض المحرضين يوجهون الاتهام له في نهاية خدمته العسكرية بالخطف!
لكن أبواق الفتنة عادت وصمتت، فور إعلان الحقيقة.
وفي تفاصيل الحادث أن الرفاعي أمّ الصلاة في منطقة البداوي وتوجّه بعدها الى الميناء، ووثّقت الكاميرات على حواجز الجيش عبور سيارته منطقة دير عمار، في حين أنها لم تعبر حاجز المدفون أي أنها لم تغادر الشمال.
كما تبين أن سيارتَي كيا يستقلّهما ملثّمون عبرتا عند الساعة السادسة و40 دقيقة المنطقة التي كان فيها الشيخ موجوداً، في حين أن تعقّب الاتصالات أشار الى أن هاتفه رصد في منطقة البحصاص عند السادسة و45 دقيقة وبعدها بات خارج الخدمة. وفي صباح يوم الثلاثاء قام فرع المعلومات بالكشف على مكان وقوع الحادث وذلك بعد إدلاء أحد المواطنين بما شاهده، وتم العثور على قفازات وسترة صفراء اللون، في حين أن الشيخ الرفاعي كان يرتدي معطفاً أسود.
تمكنت مخابرات الجيش اللبناني بعد تحليل داتا الاتصالات من الحصول على معطيات دقيقة قامت على أثرها من توقيف المدعو مصطفى ميقاتي أثناء مشاركته بقطع طريق عام المحمرة، والمعروف بأنه اليد اليمنى لرئيس بلدية القرقف وأبنائه، وحصلت منه على معطيات مهمة تم على أثرها الطلب من مفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا التحقيق مع يحي الرفاعي وإبنه لكون كل المعطيات تؤكد أن خلفية إختطاف الشيخ أحمد عائدة الى خلافات عائلية ومشاكل قديمة وليس لها أي علاقة على الاطلاق بمواقف الشيخ أحمد الرفاعي وتصريحاته المناهضة للنظام السوري وحزب الله.
وبناء على ذلك، تمنى المفتي زكريا من مخابرات الجيش إعطاء مهلة حتى صباح اليوم منعاً لتدهور الوضع الأمني ليلاً في البلدة، وبالفعل إلتزم الجيش بالأمر، وعمل على تطويق البلدة من دون شوشرة.
وفي تمام الساعة العاشرة والنصف ليلاً وبعد توفر معطيات دقيقة لدى فرع المعلومات، وبناء على تحليل كاميرات المراقبة والتي أظهرت بوضوح السيارات وهي من نوع “كيا سيراتو” سوداء اللون، إضافة الى تحليل داتا الاتصالات سارع فرع المعلومات الى مداهمة منزل يحي الرفاعي، والقاء القبض على ثلاثة شبان هم أبناؤه علي ومحمد وإبن شقيقه.
كما طلب الرفاعي الذهاب بسيارته وكان له ما أراد، قبل أن يتم الاستماع اليه وتركه يعود الى منزله بعد منتصف الليل.
وفي الصباح عملت القوى الأمنية على الانتشار في البلدة، وتسيير دوريات كما عاد رئيس البلدية الى التحقيق لدى فرع المعلومات. ومع ساعات الظهيرة إعترف أحد الموقوفين بقتل الشيخ أحمد من دون أن يدلي بمكان واضح لوجود جثته.
كما جرى توقيف المدعو خالد الرفاعي الملقب بأبو النهر في ضهور بلدة القرقف. ليرتفع بذلك عدد الموقوفين لدى المعلومات الى خمسة، إضافة الى مصطفى الميقاتي الموقوف لدى الجيش اللبناني.
خبر التوقيفات حل كالصاعقة على مشايخ عكار ورجال الدين، الذين عقدوا إجتماعاً طارئاً في دار الافتاء في عكار، ولكن لم يتمكنوا من إصدار أي بيان حتى الساعة، لعدم العثور على جثمان الشيخ أحمد الرفاعي.
وفور شيوع خبر مقتل الشيخ أحمد الرفاعي عمدت قوة كبيرة من الجيش اللبناني على الدخول الى بلدة القرقف والانتشار بين الأحياء والمنازل، وذلك قبل أبلاغ عائلته بالخبر. كما إنتشر عناصر الجيش على الأسطح وبين المنازل. وعمدت عائلة المتهم رئيس البلدية الى إخلاء منازلهم، ومغادرة البلدة بشكل تام، وتم إستلام المنزل من قبل الجيش.