توصلت حكومة تصريف الأعمال إلى مسوّدة أوليّة حول بطاقات الدعم لنحو 600 ألف أسرة بمعدل مليون و300 ألف ليرة لبنانية لكل عائلة شهرياً. الاقتراح الذي سيرسل إلى مجلس النواب كمشروع قانون، تشوبه العديد من الثغرات، أهمها «فوضى» الداتا الخاصة بالعائلات الأكثر فقراً والتي لا تتطابق مع الواقع. فيما ثمة مشكلة أخرى رئيسية قوامها الآتي: الخطة باتت شبه جاهزة، ولكن هل ستلتزم الدولة بتأمين المال اللازم لتحقيقها؟
عادت البطاقة التمويلية لتتصدّر أولويات النقاشات في السرايا الحكومية. في اجتماعها أمس، بحثت اللجنة الوزارية المكلفة وضع تصوّر لكيفية رفع الدعم تدريجياً عن السلع الأساسية (الدواء، الخبز، المحروقات، والغذاء) في سبل استبدال هذا الدعم بدعم مالي شهري يغطي نحو 600 ألف أسرة. الاجتماع أتى، بحسب المعلومات، استجابة لطلب رئيس مجلس النواب نبيه بري. فالاستراتيجية الحكومية برمي الكرة في ملعب البرلمان عبر إرسال 4 اقتراحات ليختار المجلس النيابي واحداً من بينها، لم تمر على رئيس المجلس نبيه بري. فأعاد الطلب من الحكومة توحيد طروحاتها حول سيناريو واحد مفصل وواضح حتى يتم درسه في المجلس. وهكذا كان. خرجت اللجنة برؤية واحدة حول خطة رفع الدعم التدريجي، بالتزامن مع إصدار البطاقة التمويلية. لكن نقاشات الوزراء لا تبشّر بالخير. فالواضح من خلال الأفكار المطروحة والداتا المتوفرة أن الدولة تُحتضر مالياً وإدارياً، بمعنى أن الانهيار المالي الحالي يترافق مع فشل وزاري تتحمل مسؤوليته الحكومات المتعاقبة. وهو ما أدى الى عدم امتلاك الدولة داتا دقيقة عن الأسر اللبنانية وأوضاعها، فشرعت كل وزارة، إضافة الى الجيش، برمي أرقام عشوائية لا يتطابق أيّ منها مع باقي الأرقام. تريد الحكومة بهذه الإحصاءات المختلفة تقرير مصير شعب بأكمله.
في الجلسة، تم الاتفاق على مجموعة نقاط تشكل أرضية لصياغة السيناريو الذي سيرسل الى مجلس النواب بعد تنقيحه، على أن يلي ذلك إصدار البطاقات التمويلية عند موافقة البرلمان. ويبدو أن قرار وزير الاقتصاد راوول نعمة يوم أول من أمس بزيادة سعر ربطة الخبز الى 2500 ليرة لبنانية لا يكفي لسدّ ارتفاع سعر القمح في البورصة العالمية، وخصوصاً مع الطلب المتزايد عليه من مختلف الدول في ظل أزمة كورونا، إضافة الى ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية. لكن رغم زيادة الدعم على القمح من 150 مليون دولار سنوياً الى 350 مليون دولار، يبدو أن المبلغ لن يكفي للجم ارتفاع سعر ربطة الخبز، وسط تعهد المعنيين بضمان وصول الدعم مباشرة الى الأفران، والأمل بألا يزيد سعر الربطة عن 3500 ليرة لبنانية! وقد رأى وزير الاقتصاد خلال الاجتماع أن مراقبة القمح المدعوم أمر «صعب»! الى جانب القمح، أبقت اللجنة على دعم الفيول بمليار دولار سنوياً، فيما تمّ الاتفاق على إلغاء الدعم عن البنزين تدريجياً، وقضى الاقتراح بأن يتم توفير 150 مليون دولار لهذه المسألة على مدى شهرين قبل إلغاء الدعم نهائياً لأن سعر الصفيحة محتسب من ضمن البطاقة التمويلية التي ستحصل عليها الأسر. أما المازوت، فسيبقى مدعوماً بـ 350 مليون دولار. ويتوقع المعنيون أن يكفي هذا المبلغ لمدة ستة أشهر فقط، مقابل 50 مليون دولار للغاز. وتقرّر الإبقاء على كلفة صيانة الكهرباء بـ 250 مليون دولار سنوياً، على أن يجري خفض مصاريف القطاع العام من مليار دولار الى 600 مليون دولار.
في الموضوع الصحّي، رست النقاشات السابقة على إلغاء الدعم عن لائحة كبيرة من الأدوية لخفض الكلفة الى النصف أي 600 مليون دولار. يوم أمس، اعترض وزير الصحة حمد حسن على هذا الرقم، طالباً زيادته لحاجة القطاع الى أكثر من ذلك مع أزمة كورونا، فوافق المجتمعون على زيادة 100 مليون دولار إضافية ليصبح 700 مليون دولار. تخلّل المسودة الأولية تحفظان من وزيري الزراعة والصناعة اللذين لم يلحظ الدعم قطاعاتهما، في حين تقدمت وزيرة الدفاع زينة عكر باقتراح إضافة الدعم للنقل العام؛ مسألة ستتابع مع الجهات المعنية.
داتا الأسر مفقودة!
البحث في الشقّ المالي وحجم الدعم كان أقل إرباكاً مما حصل عند الانتقال الى الناحية التنفيذية. والحديث هنا عن شقّين: الأول مرتبط بقرض البنك الدولي للأسر الأكثر فقراً وعددها نحو 150 ألفاً، والثاني ببطاقات الدعم لنحو 450 ألف أسرة ليكون المجموع 600 ألف أسرة، من دون أن يكون هناك إحصاء فعلي لعدد الأسر في لبنان التي يقدّرها البعض بـ 900 ألف أسرة. سابقاً، حُكي عن مبلغ مليون و500 ألف ليرة لكل أسرة من ضمن الـ 450 ألف أسرة؛ أمس خُفِّضَ المبلغ الى مليون و300 ألف ليرة، علماً بأن قرض البنك الدولي بقيمة 264 مليون دولار سيشكل جزءاً من هذه البطاقة. بمعنى أن الـ 150 ألف أسرة التي سيشملها دعم البنك الدولي والتي سيوزع عليها 800 ألف ليرة شهرياً، ستتقاضى باقي المبلغ من الدولة اللبنانية أي ما يعادل 500 ألف ليرة لبنانية ليتساوى دعمها مع باقي الأسر.
إشارة هنا الى أن هذا القرض لن يصرف بالدولار، بل بالعملة الوطنية وفقاً لسعر 6250 ليرة لبنانية للدولار، على أن تبقى الدولارات في مصرف لبنان. ثمة من يرى في هذا الأمر اقتطاعاً من حصة الفقراء، فيما رأى آخرون أنه الخيار الأنسب لتوسيع مروحة المساعدات على اعتبار أن هذا القرض سيكون جزءاً من الاحتياطي في مصرف لبنان الذي سيموّل بطاقة الدعم. وباحتساب مجموع البطاقة زائد الدعم على السلع الحيوية، تصل قيمة الدعم الى نحو 4 مليارات و400 مليون دولار، ما اعتبره المجتمعون أمراً جيّداً نسبة الى أن مجموع ما كان يدفعه مصرف لبنان مقابل دعم هذه السلع يبلغ 6 مليارات دولار، مع العلم بأنه لم يكن يوفر مبلغ مليون و300 ليرة لبنانية لكل أسرة.
من هي الأسر المستفيدة من هذه البطاقة؟ لا جواب واضحاً في هذا الشأن، فللجيش لوائحه، وللشؤون أيضاً، كذلك للتربية. هذه العقدة واجهها الجيش أثناء توزيعه مساعدات كورونا على العائلات الأكثر فقراً وقيمتها 400 ألف ليرة لكل عائلة. فبعد المسح، تبيّن أن اللوائح المقدمة من الشؤون الاجتماعية والتربية تتضمن أخطاءً وتحتاج إلى تصحيح لتتطابق مع معايير برنامج العائلات الأكثر فقراً. لذلك، تعيد وزارة الشؤون الاجتماعية دراسة ملفات الأسر المستهدفة، إضافة الى دراسة ما يقارب 300 ألف طلب جديد للاستفادة من المشروع، فعدد الأسر المسجلة تحت خانة الأكثر فقراً هو 40 ألف أسرة فقط.
تقابل معضلة الأسر التي تحتاج أقله إلى 3 أشهر لغربلتها، معضلة مالية حول كيفية تأمين مبلغ الـ 4 مليارات و400 مليون دولار. فالحكومة خلال اجتماعها تركت القرار لمجلس النواب، معوّلة على أن يستفيد مصرف لبنان من مبلغ 900 مليون دولار المحوّل لمساعدة النازحين و264 مليوناً للأسر الأكثر فقراً، لزيادته فوق احتياطه المتبقي للدعم والمقدر بـ 800 مليون دولار. بينما رفض حاكم المصرف المركزي رياض سلامة عند عرض الأمر عليه تحمّل هذه المسؤولية. وحتى في حال قبوله، فإن هذا الاحتياطي لا يكفي لسدّ القيمة الإجمالية، ويفترض البحث عن سبل إضافية لتوفير الأموال، إما عبر إيرادات الدولة أو عبر طبع المزيد من الأوراق المالية.
في ختام الاجتماع، حذّر وزير الاقتصاد من أن رفع الدعم عن السلع الغذائية والحيوية سيرفع سعر الدولار الى سقف غير محدّد. وقابله تحفّظ من وزير المال غازي وزني على «تكبير حجر» الأرقام!